بعد سنة 2010 التي تعتبر بحق سنة 'ويكيليكس' وسنة الصراع بين 'غوغل' والدولة الصينية وأيضا سنة 'فيروس ستوكس نت' وإجمالا سنة أقوى الأحداث الجيوبوليتيكية على النت .. تنطلق سنة 2011 كمرحلة للثورات العربية التي أطلق عليها البعض (ثورة الفيس بوك) أو (الثورة المحملة) Revolution downloaded .
وكما سبق وأن أشار أحد الباحثين
المختصين في سوسيولوجيا الشبكات الاجتماعية حين لاحظ أن لا أحد من المؤرخين أو السياسيين أطلق اسم (الثورة بالصورة) على أحداث (الليكا) التي عاشتها المكسيك بين سنتي 1910 و1920 مخلفة الآلاف من القتلى والتي لم يتعرف الشعب المكسيكي فيما بعد على هذه المجازرسوى بفضل صور ثابتة، ويمكن القول أن نفس الأمر أيضا حدث إبان سقوط جدار برلين بحيث لا أحد من المتتبعين أطلق اسم (الثورة بالتلفزة) على هذا الحدث وعلى الرغم من ذلك فإن الصورالتلفزية التي كانت تخترق الجدار الحديدي بين المعسكرين الشرقي والغربي لا شك في أنها قد أسهمت في إطلاع سكان ألمانيا الشرقية على نمط الحياة الراقية في ألمانيا الغربية، مما كان دافعا مباشرا في تأجيج رغبة الشعب الألماني الشرقي في الثورة وبالتالي فقد كانت هذه الصور التلفزية الفضائية سببا في انتقال العدوى إلى الدول المجاورة في اوروبا الشيوعية.
لا أحد ينكر دور الحشود التي نزلت إلى الشوارع للإطاحة بالسلطة في تونس ومصر وليبيا ولا دور الحماس والاندفاع والشجاعة الجماهيرية في مواجهة آلة القمع بشكل أشد وأقوى أثرا من بيانات التنديد والتحريض على صفحات 'الفيس بوك' الجماعية ...
من القواعد النضالية المتعارف عليها تاريخيا وإنسانيا أن نجاح أية ثورة من الثورات رهين لا محالة بسقوط شهداء ... فلا شك في أن محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجا على جهاز القمع البوليسي في تونس بنعلي والشطط في استعمال السلطة، وخالد سعيد الشاب الذي أزهقت روحه في مخفر أمن المباحث المصري، هو أيضا قد أسهم بدوره في تأجيج ثورة الغضب والانتفاضات العربية بفعالية أقوى مما قد تحركه الملايين من النقرات على رابط في صفحة 'الفيس بوك'.
ومن الأكيد أن هذين الحدثين قد لقيا صدى سريعا وواسعا على صفحات الشبكات الاجتماعية في العديد من الدول العربية التي يسيطر فيها جهاز السلطة على قنوات الميديا العمومية (الإذاعة والتلفزة) المطوقتين بأسوار التعتيم الإعلامي.
لقد كان لـ (الجماعات السبيرديموقراطية) أو (ديموقراطية الشبكات الاجتماعية) دورا أساسيا في التفاعل بين أعضائها بصورة قد تبدو لنا اليوم أكثر نجاعة أحيانا من نزول الحشود إلى الشارع في تظاهرات احتجاجات سابقة قبل عقدين من الزمن مثلا (الانتفاضة الفلسطينية نموذجا) التي لم تكن في حاجة إلى شبكة اجتماعية لا يؤطرها سوى التفاف طلائعها حول قضية عادلة تتعلق بأرض مغتصبة .
إن وسائل الاتصال الاحتجاجية كانت من دون شك وسائل ضرورية وأساسية لإضرام هذه الانتفاضات العربية حتى ولو لم تكن كافية بتاتا لوحدها ... إن دورها قد اقتصرعلى تسريع التواصل وتضخيم حجمه ومساحة احتجاجه الافتراضية، لكن هذا العامل غير كاف لوحده لخلق مناخ ثورة ناجحة سواء في تونس أو مصر أو اليمن أو ليبيا أو في أي نظام آخر من الأنظمة الديكتاتورية.
بمعنى آخرعلينا أن نعطي لهذه الشبكات الاجتماعية (الفيس بوك ـ التويتر ـ مجموعات غوغل) حجمها الحقيقي الذي تستحقه ولا نكتفي بتحديد زاوية رؤيتنا فقط في أولوية العامل الديموغرافي والاقتصادي والسياسي أو أية عوامل أخرى قد تكون السبب الذي دفع هذه القوى الاجتماعية المقهورة إلى الثورة .
إن القنوات الفضائية العربية السيارة مثل (الجزيرة والعربية والبي بي سي وفرنسا 24) قد جعلت من بين أدوارها الاستراتيجية خلق جسر للمحاورة بين عرب الداخل وعرب الشتات في كل أنحاء العالم وخصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا حول القضايا الكبرى العالقة (الاحتلال ـ التنمية ـ الوحدة ـ الإرهاب ...إلخ). إن هذه القنوات كان لها دور بارز أكثر من الدور المحدود الذي لعبته في وقت مضى صحف شيوعية مثل (البرافدا) أو (إيزفيستيا) السوفييتيتين في عهد الحرب الباردة ودورها الخطير في تطويق مساحة التفكيرالحر وخلق رأي عام متطور منذ أواسط القرن العشرين .
إن مفهوم (الشبكة الاجتماعية) أو2.0 web يعني ممارسة سلوكية مختلفة بوسائل مختلفة أيضا. إن مدونا مشهورا ومراقبا من طرف الأجهزة الأمنية العربية لا يمكن أن يقوم بنفس الدور الخطير والإنقلابي الذي قد تقوم به إشاعة قد يفجرها مواطن مناوئ لنظام بلده على موقع تويتر أو الفيس بوك مثلا .
ومن المعلوم أن التعبئة الجماهيرية لا تعني بالضرورة فعالية التنظيم المحكم .. فالتكنولوجيا الرقمية يمكنها أن تتدخل بشكل إيجابي في مرحلة حاسمة من مراحل الثورة حيث أن دورها هام جدا على مستوى بيانات التنديد أو الحشد أو التعبئة ... إن الثورة لا تعني فقط تنظيم تجمعات للمطالبة برحيل رئيس مستبد قد يكون عمّرعلى كرسي حكمه الديكتاتوري قرابة نصف قرن .. إن الشبكات الاجتماعية قد تم إطلاقها أساسا لتقاسم مصلحة ورأي بين أعضاء مجموعة ما وليس تقعيدا لنظرية إيديولوجية حديثة .
إن الجماعات التي قد تسهم في تغييرالتاريخ مثل الأحزاب أو الجمعيات أو المنظمات ترتبط فيما بينها برابط اجتماعي متين وفاعل أقوى من تفاعلاتها الافتراضية ... ومن دون شك أن إنتاج الأفكار بواسطة هذه الآليات التواصلية الجديدة ـ الشبكات الاجتماعية الإلكترونية ـ هو في حد ذاته ليس سوى فضاء افتراضي لشبكة ديموقراطية بمعنى أنه يصيرمن السهل على كل مواطن أن يعبر أو يبرهن أو يستشهد أو ينضم إلى آخرين يتقاسمون معه نفس القيم أو نفس الحاجات بهدف أن يعترف به ويقدره الآخرون. ولكي يتحقق هذا الاعتراف يتحتم على خطابه أن يوافق القيم الديموقراطية حيث أن الخطاب الجهادي أو أية دعوة للحقد والكراهية ودعم الاستبداد قد تجد لها أيضا رواجا وترويجا على صفحات الشبكات الاجتماعية وبالتالي تنفلت عن أية رقابة في الشبكة العنكبوتية ...
إن طرحنا لسؤال العلاقة بين تكنولوجيا الاتصال والحركات السياسية في العالم العربي هي في نهاية المطاف إقرار بوجود هذه العلاقة .. لقد جاءت أحداث تونس ومصر بوقائع ونتائج مناقضة لما جاء به كتاب (وهم الإنترنت) للكاتب (إفوزاي موريزف) في زمن كانت وسائل الميديا التقليدية فيه تبشر بثورة الإنترنت في العالم .. إن هذا الكتاب الذي ظهر قبل سنوات من اندلاع هذه الانتفاضات العربية قد أثارعدة أسئلة خصوصا في بعض المجلات التي أكدت ضمن الكثير من أعدادها على تأثيرالتكنولوجيا الرقمية على مصيرالأفراد والمجتمعات، ولنقـف الآن قليلا عند هذه الأفكارالأساسية التي قدمها الكاتب إفوزاي موريزف :
إن الكاتب يعتقد بنسبية قدرة الشبكات الاجتماعية على خلق (ديموقراطية ـ شبكية) والدفع إلى الانخراط في مشروعها، كما يشكك في قدرة الديكتاتوريات على استعمال تكنولوجيا المعلوميات الحديثة كأداة لتلميع صورتها بالإضافة إلى استعمالها أيضا للرقابة والضبط الممنهج ... وفي هذا الصدد يلح (موزيرف) على الفكرة القائلة بأن اسناد النشر الإلكتروني الشبكي المنفتحة على الحرية قد تسببت في انهيار بعض الديكتاتوريات، وهذه من دون شك فكرة ذات بعد ريغاني (REAGANIENNE) نسبة إلى رونالد ريغان، وهي عين الفكرة الموروثة منذ حقبة الحرب الباردة حيث استعرت الكثير من الممارسات الثقافية والديبلوماسية العامة ضد المعسكر السوفييتي حيث لاحظنا كيف كانت إذاعة (أوروبا الحرة) Radio Free Europe تذيع برامج هجومية وتدميرية ضد المعسكرالشرقي .. إن هذه الرؤية التي اعتمدها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية تفترض أنه إذا كان عامة الناس على دراية بقوة الولايات المتحدة الأمريكية السياسية والاقتصادية أو على دراية برفاه النظام الليبرالي عامة، فهذا يعني أن آليات الكذب السياسي والرقابة الصارمة هي وحدها من تمكن الديكتاتوريات من السيطرة على الرأي العام الداخلي وحقنه بالتجهيل والسلبية والشلل الفكري. في تسعينيات القرن الماضي أثير نقاش حول الدور الذي لعبه التلفاز في الإطاحة بالحزب الوحيد في جمهورية ألمانيا الديموقراطية حيث كانت البرامج تلتقط بشكل واسع إبان سقوط جدار برلين، فهل كان الألمان يعلمون بما تخبئه الميديا أيام (إيريك هونيكير) أم أن بث سلسلة (دالاس) والثقافة الصناعية الأمريكية فيما بعد هي من جعلت مواطني RDA (ألمانيا الشرقية) يحلمون بالحرية؟ أولئك المواطنون الذين كانت تتحكم في رقابهم القبضة الحديدية للشيوعية في عالم أصبح يمضي بثبات نحو مجتمع الاستهلاك والليبرالية المتوحشة .
ويمكن أن نضيف من جهة أخرى إلى حجج ودلائل (موريزف) ما كان يسمى في ثمانينيات القرن الماضي FREEDOM OF SPEECH أي حرية التعبير في مقابل IRON CURTIN (الستارالحديدي) بمعنى قوة التنوير ضد لغة الخشب لصحيفة حزبية شيوعية مثل (البرافدا).
لقد عرفت سنوات التسعينيات انفتاحا ملحوظا بعد سقوط جدار برلين .. انفتاحاً أسهمت فيه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال خطاب كوني يدعو إلى توسيع خارطة (منتدى الأرض) وتجاوز الصراعات الكبرى التي عفا عليها الزمان ... بما أنه صار حتما على إنسانية القطب الواحد الاتجاه نحو مستقبل واحد هو مستقبل رهين للتعددية الديموقراطية واقتصاد السوق وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا وارتياد الشبكة العنكبوتية ما يعني بشكل أو بآخر أن الديكتاتوريات وكيفما كانت آليات تدبيرها للشأن السياسي قد أصبحت محاصرة من طرف العوامل الخارجية والمجتمعية والشبكعنكبوتية وعلى الخصوص مواقع الشبكات الاجتماعية (الفيس بوك ـ تويتر ـ مايسبيس ـ غوغل بيز وغيرها).
*عبدة حقي كاتب من المغرب
وكما سبق وأن أشار أحد الباحثين
المختصين في سوسيولوجيا الشبكات الاجتماعية حين لاحظ أن لا أحد من المؤرخين أو السياسيين أطلق اسم (الثورة بالصورة) على أحداث (الليكا) التي عاشتها المكسيك بين سنتي 1910 و1920 مخلفة الآلاف من القتلى والتي لم يتعرف الشعب المكسيكي فيما بعد على هذه المجازرسوى بفضل صور ثابتة، ويمكن القول أن نفس الأمر أيضا حدث إبان سقوط جدار برلين بحيث لا أحد من المتتبعين أطلق اسم (الثورة بالتلفزة) على هذا الحدث وعلى الرغم من ذلك فإن الصورالتلفزية التي كانت تخترق الجدار الحديدي بين المعسكرين الشرقي والغربي لا شك في أنها قد أسهمت في إطلاع سكان ألمانيا الشرقية على نمط الحياة الراقية في ألمانيا الغربية، مما كان دافعا مباشرا في تأجيج رغبة الشعب الألماني الشرقي في الثورة وبالتالي فقد كانت هذه الصور التلفزية الفضائية سببا في انتقال العدوى إلى الدول المجاورة في اوروبا الشيوعية.
لا أحد ينكر دور الحشود التي نزلت إلى الشوارع للإطاحة بالسلطة في تونس ومصر وليبيا ولا دور الحماس والاندفاع والشجاعة الجماهيرية في مواجهة آلة القمع بشكل أشد وأقوى أثرا من بيانات التنديد والتحريض على صفحات 'الفيس بوك' الجماعية ...
من القواعد النضالية المتعارف عليها تاريخيا وإنسانيا أن نجاح أية ثورة من الثورات رهين لا محالة بسقوط شهداء ... فلا شك في أن محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجا على جهاز القمع البوليسي في تونس بنعلي والشطط في استعمال السلطة، وخالد سعيد الشاب الذي أزهقت روحه في مخفر أمن المباحث المصري، هو أيضا قد أسهم بدوره في تأجيج ثورة الغضب والانتفاضات العربية بفعالية أقوى مما قد تحركه الملايين من النقرات على رابط في صفحة 'الفيس بوك'.
ومن الأكيد أن هذين الحدثين قد لقيا صدى سريعا وواسعا على صفحات الشبكات الاجتماعية في العديد من الدول العربية التي يسيطر فيها جهاز السلطة على قنوات الميديا العمومية (الإذاعة والتلفزة) المطوقتين بأسوار التعتيم الإعلامي.
لقد كان لـ (الجماعات السبيرديموقراطية) أو (ديموقراطية الشبكات الاجتماعية) دورا أساسيا في التفاعل بين أعضائها بصورة قد تبدو لنا اليوم أكثر نجاعة أحيانا من نزول الحشود إلى الشارع في تظاهرات احتجاجات سابقة قبل عقدين من الزمن مثلا (الانتفاضة الفلسطينية نموذجا) التي لم تكن في حاجة إلى شبكة اجتماعية لا يؤطرها سوى التفاف طلائعها حول قضية عادلة تتعلق بأرض مغتصبة .
إن وسائل الاتصال الاحتجاجية كانت من دون شك وسائل ضرورية وأساسية لإضرام هذه الانتفاضات العربية حتى ولو لم تكن كافية بتاتا لوحدها ... إن دورها قد اقتصرعلى تسريع التواصل وتضخيم حجمه ومساحة احتجاجه الافتراضية، لكن هذا العامل غير كاف لوحده لخلق مناخ ثورة ناجحة سواء في تونس أو مصر أو اليمن أو ليبيا أو في أي نظام آخر من الأنظمة الديكتاتورية.
بمعنى آخرعلينا أن نعطي لهذه الشبكات الاجتماعية (الفيس بوك ـ التويتر ـ مجموعات غوغل) حجمها الحقيقي الذي تستحقه ولا نكتفي بتحديد زاوية رؤيتنا فقط في أولوية العامل الديموغرافي والاقتصادي والسياسي أو أية عوامل أخرى قد تكون السبب الذي دفع هذه القوى الاجتماعية المقهورة إلى الثورة .
إن القنوات الفضائية العربية السيارة مثل (الجزيرة والعربية والبي بي سي وفرنسا 24) قد جعلت من بين أدوارها الاستراتيجية خلق جسر للمحاورة بين عرب الداخل وعرب الشتات في كل أنحاء العالم وخصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا حول القضايا الكبرى العالقة (الاحتلال ـ التنمية ـ الوحدة ـ الإرهاب ...إلخ). إن هذه القنوات كان لها دور بارز أكثر من الدور المحدود الذي لعبته في وقت مضى صحف شيوعية مثل (البرافدا) أو (إيزفيستيا) السوفييتيتين في عهد الحرب الباردة ودورها الخطير في تطويق مساحة التفكيرالحر وخلق رأي عام متطور منذ أواسط القرن العشرين .
إن مفهوم (الشبكة الاجتماعية) أو2.0 web يعني ممارسة سلوكية مختلفة بوسائل مختلفة أيضا. إن مدونا مشهورا ومراقبا من طرف الأجهزة الأمنية العربية لا يمكن أن يقوم بنفس الدور الخطير والإنقلابي الذي قد تقوم به إشاعة قد يفجرها مواطن مناوئ لنظام بلده على موقع تويتر أو الفيس بوك مثلا .
ومن المعلوم أن التعبئة الجماهيرية لا تعني بالضرورة فعالية التنظيم المحكم .. فالتكنولوجيا الرقمية يمكنها أن تتدخل بشكل إيجابي في مرحلة حاسمة من مراحل الثورة حيث أن دورها هام جدا على مستوى بيانات التنديد أو الحشد أو التعبئة ... إن الثورة لا تعني فقط تنظيم تجمعات للمطالبة برحيل رئيس مستبد قد يكون عمّرعلى كرسي حكمه الديكتاتوري قرابة نصف قرن .. إن الشبكات الاجتماعية قد تم إطلاقها أساسا لتقاسم مصلحة ورأي بين أعضاء مجموعة ما وليس تقعيدا لنظرية إيديولوجية حديثة .
إن الجماعات التي قد تسهم في تغييرالتاريخ مثل الأحزاب أو الجمعيات أو المنظمات ترتبط فيما بينها برابط اجتماعي متين وفاعل أقوى من تفاعلاتها الافتراضية ... ومن دون شك أن إنتاج الأفكار بواسطة هذه الآليات التواصلية الجديدة ـ الشبكات الاجتماعية الإلكترونية ـ هو في حد ذاته ليس سوى فضاء افتراضي لشبكة ديموقراطية بمعنى أنه يصيرمن السهل على كل مواطن أن يعبر أو يبرهن أو يستشهد أو ينضم إلى آخرين يتقاسمون معه نفس القيم أو نفس الحاجات بهدف أن يعترف به ويقدره الآخرون. ولكي يتحقق هذا الاعتراف يتحتم على خطابه أن يوافق القيم الديموقراطية حيث أن الخطاب الجهادي أو أية دعوة للحقد والكراهية ودعم الاستبداد قد تجد لها أيضا رواجا وترويجا على صفحات الشبكات الاجتماعية وبالتالي تنفلت عن أية رقابة في الشبكة العنكبوتية ...
إن طرحنا لسؤال العلاقة بين تكنولوجيا الاتصال والحركات السياسية في العالم العربي هي في نهاية المطاف إقرار بوجود هذه العلاقة .. لقد جاءت أحداث تونس ومصر بوقائع ونتائج مناقضة لما جاء به كتاب (وهم الإنترنت) للكاتب (إفوزاي موريزف) في زمن كانت وسائل الميديا التقليدية فيه تبشر بثورة الإنترنت في العالم .. إن هذا الكتاب الذي ظهر قبل سنوات من اندلاع هذه الانتفاضات العربية قد أثارعدة أسئلة خصوصا في بعض المجلات التي أكدت ضمن الكثير من أعدادها على تأثيرالتكنولوجيا الرقمية على مصيرالأفراد والمجتمعات، ولنقـف الآن قليلا عند هذه الأفكارالأساسية التي قدمها الكاتب إفوزاي موريزف :
إن الكاتب يعتقد بنسبية قدرة الشبكات الاجتماعية على خلق (ديموقراطية ـ شبكية) والدفع إلى الانخراط في مشروعها، كما يشكك في قدرة الديكتاتوريات على استعمال تكنولوجيا المعلوميات الحديثة كأداة لتلميع صورتها بالإضافة إلى استعمالها أيضا للرقابة والضبط الممنهج ... وفي هذا الصدد يلح (موزيرف) على الفكرة القائلة بأن اسناد النشر الإلكتروني الشبكي المنفتحة على الحرية قد تسببت في انهيار بعض الديكتاتوريات، وهذه من دون شك فكرة ذات بعد ريغاني (REAGANIENNE) نسبة إلى رونالد ريغان، وهي عين الفكرة الموروثة منذ حقبة الحرب الباردة حيث استعرت الكثير من الممارسات الثقافية والديبلوماسية العامة ضد المعسكر السوفييتي حيث لاحظنا كيف كانت إذاعة (أوروبا الحرة) Radio Free Europe تذيع برامج هجومية وتدميرية ضد المعسكرالشرقي .. إن هذه الرؤية التي اعتمدها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية تفترض أنه إذا كان عامة الناس على دراية بقوة الولايات المتحدة الأمريكية السياسية والاقتصادية أو على دراية برفاه النظام الليبرالي عامة، فهذا يعني أن آليات الكذب السياسي والرقابة الصارمة هي وحدها من تمكن الديكتاتوريات من السيطرة على الرأي العام الداخلي وحقنه بالتجهيل والسلبية والشلل الفكري. في تسعينيات القرن الماضي أثير نقاش حول الدور الذي لعبه التلفاز في الإطاحة بالحزب الوحيد في جمهورية ألمانيا الديموقراطية حيث كانت البرامج تلتقط بشكل واسع إبان سقوط جدار برلين، فهل كان الألمان يعلمون بما تخبئه الميديا أيام (إيريك هونيكير) أم أن بث سلسلة (دالاس) والثقافة الصناعية الأمريكية فيما بعد هي من جعلت مواطني RDA (ألمانيا الشرقية) يحلمون بالحرية؟ أولئك المواطنون الذين كانت تتحكم في رقابهم القبضة الحديدية للشيوعية في عالم أصبح يمضي بثبات نحو مجتمع الاستهلاك والليبرالية المتوحشة .
ويمكن أن نضيف من جهة أخرى إلى حجج ودلائل (موريزف) ما كان يسمى في ثمانينيات القرن الماضي FREEDOM OF SPEECH أي حرية التعبير في مقابل IRON CURTIN (الستارالحديدي) بمعنى قوة التنوير ضد لغة الخشب لصحيفة حزبية شيوعية مثل (البرافدا).
لقد عرفت سنوات التسعينيات انفتاحا ملحوظا بعد سقوط جدار برلين .. انفتاحاً أسهمت فيه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال خطاب كوني يدعو إلى توسيع خارطة (منتدى الأرض) وتجاوز الصراعات الكبرى التي عفا عليها الزمان ... بما أنه صار حتما على إنسانية القطب الواحد الاتجاه نحو مستقبل واحد هو مستقبل رهين للتعددية الديموقراطية واقتصاد السوق وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا وارتياد الشبكة العنكبوتية ما يعني بشكل أو بآخر أن الديكتاتوريات وكيفما كانت آليات تدبيرها للشأن السياسي قد أصبحت محاصرة من طرف العوامل الخارجية والمجتمعية والشبكعنكبوتية وعلى الخصوص مواقع الشبكات الاجتماعية (الفيس بوك ـ تويتر ـ مايسبيس ـ غوغل بيز وغيرها).
*عبدة حقي كاتب من المغرب
0 التعليقات:
إرسال تعليق